كل عام و انتم بخير 2013

للعام السابع على التوالى تستمر المدونة فى عرض الافكار و نشر الموضوعات الهامة و اللى جاى احلى ..

الاثنين، 30 مارس 2009

نبذة تاريخية عن الإمام أحمد بن حنبل

سبع وسبعوه عاماً هجرياً هي حياة الإمام أحمد بن حنبل –رحمه الله- عاشها في عصر من أزهى عصور الإسلام سلطاناً، وحضارة وثقافة، عاصر فيها ثمانية من الخلفاء العباسيين: المهدي، والهادي، والرشيد، والأمين، والمأمون، والمعتصم، والواثق، والمتوكل. وشاهد الإمامُ عظمة الخلافة العباسية، فقد ثبّتت قواعدها، وامتد سلطانها في أيام المهدي، وتألقت حضارتها، وعظمت هيبتها في زمن الرشيد والمأمون، وتوالت انتصاراتها في خلافة المعتصم، وظلت في قوة وازدهار في عصري الواثق والمتوكل.

وكان النفوذ السياسي في هذا العهد للعنصر الفارسي –في الغالب- لأنه الذي ساعد على قيام الدولة العباسية، ونشر دعوتها، وثلّ عرش الأمويين. وإنْ كان للخليفة العباسي الرأي الأخير والكلمة النافذة. وربما أوجس في نفسه خيفة من معاونيه الفرس، فبطش بهم، كما فعل المنصور بأبي مسلم الخراساني، وكما فعل الرشيد بالبرامكة، والمأمون بالفضل بن سهل.

وإذا كانت الدولة الأموية لم يتمكن فيها الأعاجمُ، فإن دولة بني العباس أصبحت أعجمية خراسانية كما يقول الجاحظ، فالفرس أكثرُ من تولى الأعمال للمنصور، واتخذ الخلفاء ذلك سنة. وفي عصر الرشيد زاد نفوذ الفرس في الدولة لمكانة البرامكة، وأصبح منصب الوزارة فيهم، وظل نفوذهم في ازدياد بتوالي السنين.

واتخذ الفضلُ بن يحيى البرمكي الوزير جنداً من العجم سماهم: العباسية، بلغ عددهم نحو خمس مئة ألف رجل، وجعل ولائهم للعباسيين.

وأقام الرشيد وغيره من الخلفاء علاقات بينه وبين ملوك غربي أوروبا، ومن بينهم شارلمان، ودفع ملوك الدولة الرومانية الشرقية الضرائب للخلفاء.

وفي عهد المعتصم كوّن الخليفة فرقة عسكرية كبيرة في جيش الخلافة من الأتراك بلغ عددها نحو سبعين ألفاً. ولما ضاقت بهم بغداد، وكثرت الخصومات بينهم وبين الفرس، وبينهم وبين العامة، أتى المعتصم (سامراء فاتخذها معسكراً لجيشه وحاضرة ملكه منذ عام 221 هـ، وأصبحت مدينة عظيمة في مدة قليلة، وظلت عاصمة الخلافة حتى عام 289 هـ.

وكانت أم المعتصم (ماردة) تركية من السغد، ولاطمئنانه إلى الأتراك صاروا موضع ثقته وإيثاره، وقد أثر ذلك على العناصر الأخرى، وأخذ النفوذ في الخلافة ينتقل منذ عهد المعتصم رويداً رويداً إلى الأتراك، وقد أساء بعضُهم التصرف، وأضر بالناس، وانتهك هيبة الخلافة، فكرههم الناسُ. وقد هجا (دعبل) الشاعرُ المعتصمَ بسبب ذلك، فقال:

وهمُّك تركيّ عليه مهانة*فأنت له أمّ وأنتَ له أبُ

وكان الفتح بن خاقان –المقتول عام 247 هـ- وزير المتوكل تركياً، وقد عهد إلى الجاحظ أن يكتب رسالة عن مناقب الأتراك وعامة جند الخلافة ليخفف بها من كراهية الناس لهم، ولكن ذلك لم يُجْدِ.

وقد حفل عصرُ الإمام أحمد بكثرة ثورات العلويين، وخروجهم على الخلافة لاضطهاد العباسيين لهم، وبخاصة في عهدي الرشيد والمتوكل.

ولم تخلُ البلادُ في عصر الإمام من الفتن والحروب والثورات، كثورة الراوندية –أتباع ابن الراوندي الرافضي- والزنادقة في فارس والعراق، والخرّمية أتباع بابك الخرمي الذي ملك الجبل أكثر من عشرين عاماً (201-223 هـ) حتى قضى المعتصم على ثورته.

وكانت غزوات الصيف والشتاء مستمرة، وأكثر ما كانت موجهة إلى الإمبارطورية الرومانية الشرقية في سهول آسيا الصغرى –وخاصة في زمن الرشيد والمعتصم-.

وقامت إمارات مستقلة في نواحي دولة الخلافة، كالدولة الطاهرية في خراسان –وهي فارسية- والدولة الدلفية بكردستان –وهي عربية- وسواهما.

وقد كان للفقهاء والمجتهدين سلطانهم في الخلافة، ومكانتهم في الدولة، وكان الإمام أحمد –الذي كان جده من المجاهدين في سبيل قيام الدولة، وكان أبوه قائداً صغيراً من قوادها – يدعو للدولة بالاستقامة، وللناس بالرشد، ومع غضبه من أمور الخلافة فلم يحرض الناس على الخلفاء، والخروج عليهم، لمخالفة ذلك لأحكام الشريعة، وما ينتج عنه من المفاسد العظيمة.

وقد نأى عن الخلافة واعتزلها، وامتنع عن أخذ الأعطيات، وابتعد عن السياسة إلى العلم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يشايع الولاة ولم يحرض عليهم. وعاش راغباً عن العطاء، منصرفاً للعلم انصرافاً تاماً. ومع ذلك فقد قاوم مذاهبهم المنحرفة من مثل القول بخلق القرآن، ووقف كالطود الشامخ في تلك المحنة التي ابتلي فيها المسلمون، ولم يثبت فيها إلا القلة. فرحمه الله وجميع الصابرين.

وتميزت الحياة الاجتماعية في هذا العصر بتعدد العناصر التي يتألف منها المجتمع: من عرب وفرس وترك وروم وهنود وزنوج.. وغير ذلك من الأجناس التي يربط بينها رابط الإسلام وتجتمع تحت كلمة التوحيد: لا إله إلا الله محمد رسول الله.

وكان النفوذ في الخلافة ينتقل بين أيدي القواد والوزراء من الفرس والترك، وكان الثراء والترف يشمل طبقة كبيرة من المجتمع –كبار رجال الدولة، وبعض رجال التجارة والصناعة- وقد مظاهر ذلك الثراء والترف في عمران المدن وبناء القصور وما أنفق فيها. فروايات التاريخ –وإن كانت فيها مبالغة- تروي أن المعتصم أنفق على بناء (سامراء) أموالاً طائلة، وكذلك فعل المتوكل في بناء قصره الجعفري، وتنقل أيضاً: أن محمد بن سليمان الهاشمي أهدى إلى الخيزران –زوجة المهدي- مئة وصيفة، في يد كل واحدة جام من ذهب، وزنه ألف مثقال، مملوء مسكاً.

وكان في المجتمع كثير من الفقراء ومتوسطي الحال من عامة الناس، وقد صوّر أبو العتاهية حياة هؤلاء في قصيدة تحدث فيها عن الغلاء، فقال للرشيد:

مَن مبلغ عني الإما

مَ نصائحاً متواليَه

إني أرى الأسعارَ أســـــ

ــــــعارَ الرعية عاليَه

مَن للبطونِ الجائعا

تِ وللجسومِ العاريه


ولتعدد عناصر المجتمع، وتنوع الحياة الاجتماعية واختلاف الوجهات والآراء كانت البلاد معرضة للنِّحَل، ومجالاً للمذاهب السرية، وأصحاب الدعوات المختلفة. فكان فيها أهل السنة والحديث، وكان فيها التشيع برجالاته، والاعتزال بطوائفه، وكانت فيها الفلسفة بمختلف مذاهبها، والعلوم الحديثة بشتى أنواعها. وكان لأهل السنة والجماعة دور كبير في مكافحة الشك في الدين والفساد في المجتمع والدعوة إلى الاعتصام بالكتاب والسنة. وكان بين جميع هذه الطوائف جدل شديد ومناقشات وخصومات. وهكذا عاش الناس في امتزاج وتوليد بين مختلف العناصر والأجناس، وفي صراع شديد بين الآراء والمذاهب: بين دعوة الإسلام الخالصة، ودعوات الشعوبية الجامحة، وبين حياة الإيمان وحياة الزندقة، وبين عيشة الجد وعيشة اللهو، مما أثر في الحياة الاجتماعية في هذا العصر.

ولم يكن الإمام أحمد رحمه الله بعيداً عن ذلك كله، بل كان له أثره في حياته كأي عالم يهتم بمشكلات أمته ويسعى لصلاحها.

وصاحب ذلك ازدهارُ بغداد وحضارتها، وازدهار العواصم الإسلامية الكبرى في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.

من مقدمة كتاب : "أصول مذهب الإمام أحمد" للدكتور عبد الله بن عبد المحسن عباد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ممكن تقدروا تشاركوا معانا و تقولوا لنا رأيكو فى موضوعاتنا